قلعة الروحانيات للشيخ ابوبلال السوسي المغربي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
قلعة الروحانيات للشيخ ابوبلال السوسي المغربي

رقم الواتساب المباشر للشيخ 00212627384404

مرحبا بكم في منتدى قلعة الروحانيات للشيخ المغربي السوسي نقدم لكم افضل ما في علم الروحانيات و اصولها نقدم لكم خدمات الجلب و التهييج الخواتم الروحانية فك السحر بكل انواعه السحر الاسود ارجاع المطلقة استخراج الكنوز داخل المغرب للتواصل واتساب 00212627384404

للتواصل مع قيدوم و شيخ الشيوخ المغاربه ابوبلال السوسي على رقمه الخاص على الواتساب 00212627384404

    الباهوت القطب الصوفي(أحمد بن علوان) قدس الله سره

    الشيخ ابوبلال المغربي
    الشيخ ابوبلال المغربي
    Admin


    المساهمات : 2501
    تاريخ التسجيل : 25/06/2017

    الباهوت القطب الصوفي(أحمد بن علوان) قدس الله سره Empty الباهوت القطب الصوفي(أحمد بن علوان) قدس الله سره

    مُساهمة من طرف الشيخ ابوبلال المغربي الإثنين فبراير 05, 2018 12:42 am

    نسبه الشريف:
    هو شيخنا الأعظم الإمام الصفي سيدي أحمد بن علوان بن عطَّاف بن يوسف بن مطاعن بن عبدالكريم بن حسن بن إبراهيم بن سليمان بن علي بن عبدالله بن محمد بن عيسى بن إدريس بن عبدالله بن عيسى بن عبدالله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ابن أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب زوج الزهراء فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

    ولادته ونشأته:

    كانت ولادته ـ قدس الله سره ـ في نهاية القرن السادس الهجري في منطقة ذي الجنان (عزلة بني عيسى قلب جبل حبشي ـ محافظة تعزـ) وقد نشأ شيخنا الأعظم نشأة صالحة, فقد كان والده عالماً فاضلاً وكاتباً بارعاً، وكان له مكانة كبيرة عند السلطة الحاكمة ـ كما سيأتي لاحقاً ـ وأما والدته فقد كانت من كبار الصالحات وهي السيدة ست الحور بنت علي الأهدل .(وقبرها في الجنوب الغربي لمدينة تعز وبالتحديد خلف جامعة تعز التي في حبيل سلمان)
    ولهذا كان شيخنا الأعظم من بيت علم وسيادة، فقد حفظ القرآن الكريم منذ صغره وبرع في جميع العلوم وتضلّع بأنواع الفنون، والذي ساعده في ذلك أمران:
    الأول: قُرب سكنه من مدينة جَبَا التي تسمى اليوم مديرية المسراخ وكانت مدينة جَبَا عاصمة المعافر آنذاك والتي تسمى اليوم بالحجرية، فمدينة جَبَا كانت في عصر شيخنا الأعظم مركزاً إشعاعياً بارزاً للعلم والثقافة، وكانت مليئة بالعلماء والفقهاء، قال الجندي في كتابه (السلوك) ما نصه: (جَبَا بلد كبير خرج منها جماعة من الفقهاء وهي أكبر بلاد اليمن فقهاءً ومتفقهين)
    ولهذا كان شيخنا الأعظم في بداية نشأته يتردد كثيراً إلى علماء وفقهاء جَبَا، حيث درس على أيديهم اللغة بأنواعها وعلوم الشريعة بأكملها, إضافة إلى اطلاعه الواسع على كتب الفلسفة والتاريخ وغيرها من كتب الفنون.
    الثاني: والده السيد علوان الذي حظي بمكانة كبيرة في الدولة الأيوبية الحاكمة، حيث كان عمله كاتب إنشاءات الملك المسعود وهو ما يسمى اليوم بـ (مدير المكتب), ولهذا وفَّر السيد علوان لولده كل ما يحتاجه من وسائل العلم ومؤلفات العصر… قال الجندي في السلوك: (ولم يزل على ثروة ورعونة على ما جرت عليه أولاد الكُتَّاب والمتنعمين بقرب الدولة, وطلع طلوعاً حسناً قارئاً كاتباً فاضلاً, تعلّم الكتابة والنحو واللغة , وشعره وكلامه في التصوف يدلان على ذلك . )
    إذاً فهذان الأمران اللذان ذكرناهما آنفاً هما اللذان جعلاه نابغة عصره, وشيخ مصره, وإمام دهره .

    أولاده:

    نشأ شيخنا الأعظم في منطقة ذي الجنان ـ كما علمته سابقاً ـ ثم انتقل بعدها إلى يفرس وظل فيها بقية عمره ، ولما استوطنها تزوج بامرأة يفرسية ـ حسب ما ذكره الجندي في سلوكه ـ وأنجبت له ولداً وبنتاً، فأما ولده فاسمه محمد والمعروف الآن عند الناس بالشيخ علي بن أحمد بن علوان، بينما الجندي ذكره في تاريخه السلوك بأن اسمه محمد، واحتمال أن يكون ولده محمد من زوجته الأولى إذا ما فرضنا أن شيخنا الأعظم كان قد تزوج بامرأة قبل أن يصل إلى يفرس. نفهم هذا من قول الجندي في كتابه السلوك مانصه:« وكان ـ أي ابن علوان ـ له ولد اسمه محمد يسكن ذا الجنان ـ أصل موضعهم ـ وكان على طريق مرضي من طريق المسلمين إلى أن توفي مستهل شوال سنة 705هــ» .
    ثم يقول في موضع آخر من كتابه السلوك مانصه: « كان له ابنة تزوجها عبدالله بن عمر المسن …. »

    شــــيــوخه:
    في بداية أمره درس وتعلَّم العلوم الشرعية وجميع فنون اللغة العربية على يد علماء وفقهاء عصره، فمن أشهرهم: ( أبو الخطاب عمر بن أحمد بن أسعد) المعروف بابن الحذاء الذي انتهت إليه رئاسة القراءات في اليمن أجمع، وكان عظيم البركة، فما قرأ عليه أحد إلاَّ انتفع ، وكان مسكنه قرية من قرى جَبَا اسمها (المتفولة )شرقي مدينة جَبَا، وكان صاحب كرامات كثيرة كما ذكر ذلك المؤرخ العلامة بهاء الدين الجندي في كتابه السلوك.
    وأما شيوخه في التصوف فلم نجد أية إشارة في كتبه إلى أن له شيخاً في التصوف؛لأنه ـ قدس الله سره ـ كان مراداً من قبل الحق وموهبة من مواهبه، ولهذا نجد فقهاء عصره ومتصوفة مصره أنكروا عليه لمَّا ظهرت عليه العلوم الغريبة والمعارف العجيبة والحقائق المُهيبة، وكأنهم ظنوا بأن المعارف الإلهية معرفتها موقوفة على من سلك على يد شيخ مربٍ … نعم التتلمذ مطلوب على يد مشايخ التصوف، لكن من كان مراداً من قبل الله تعالى فلا يشترط عليه ذلك، وبإنكارهم ذلك وعدم معرفتهم بما هنالِك ردَّ عليهم شيخنا الأعظم الإمام الباهوت سيدي أحمد بن علوان في كتابه (التوحيد الأعظم ) .. وسيأتي ذكر رده عليهم لاحقاً .

    تلاميذته ومريدوه :
    كان لشيخنا الأعظم تلاميذ كُثر منهم على سبيل المثال:
    ـ السلطان أبو العلاء السمكري، وقد أجازه شيخنا الأعظم بجميع مقروءاته ومنظوماته، وكان يحبه ويلبث عنده أياماً إذا ورد إلى السمكر.
    ـ داؤود النساخ.
    ـ علي بن عمر بن أحمد.
    ـ النقيب علي بن يحيى.
    وهؤلاء هم الذين ذكرهم شيخنا الأعظم من خلال رسائله الوعظية لهم.
    هذا ولم يشتهر شيخٌ بكثرة الأتباع مثل ما لشيخنا الأعظم . قال الشرجي في كتابه طبقات الخواص: « إنه لم يُعلم لأحد من الأولياء في الجبل أتباع أكثر من الشيخ أحمد بن علوان ».
    ونحن نقول بأن أتباعه ومحبيه لم يكونوا مقصورين على من كانوا في عصره فحسب بل هم في جميع القرون التي تلت قرنه الذي عاش فيه إلى هذا القرن الذي نحن فيه، فهم آلافٌ مؤلفة لايعلم بعددهم إلا الله تعالى. ونحن ـ رئيس ملتقى التصوف وطاقمه الإداري ـ لنا الشرف الكبير بأن نكون من أتباع هذا الإمام الباهوت شيخنا الأعظم أحمد بن علوان قدس الله سره .

    مــــــؤلفــــــاته:
    إن لشيخنا الأعظم مؤلفات كثيرة وما ظهر منها إلاَّ النزر اليسير وهي كالآتي:
    ـ التوحيد الأعظم.
    ـ الفتوح.
    ـ المهرجان.
    ـ البحر المُشكل.
    ـ الكبريت الأحمر.
    إلا أن هذا الأخير مختلف في نسبته لشيخنا الأعظم، فالبعض يرون بأنه له، والبعض الآخر يرون بأنه ليس له، وهذا ما ذهب إليه رائد الطريقة العلوانية شيخنا المولى السيد محمد بن يحيى عبدالمعطي الجنيد ـ حفظه الله ـ حيث قال ـ بما معناه ـ : « إنَّ الكبريت الأحمر ليس لابن علوان، بل هو لغيره من المشايخ ؛لأن كلام ابن علوان معروف بأسلوبه وقوة ألفاظه وجزالة معانيه، بينما نجد الكلام في الكبريت الأحمر فيه ركاكة في الألفاظ وخالٍ من جوانب الفصاحة والبلاغة، ومن تعمَّق في قراءة كتب ابن علوان فسوف يدرك صحة كلامنا » …. انتهى.
    هذا وقد تَّم طباعة كتب الشيخ الأعظم سيدي أحمد بن علوان ـ قدس الله سره ـ في عدة طبعات, ويعود الفضل في ذلك إلى الأستاذ الفاضل عبدالعزيز المنصوب، فجزاه الله كلَّ خيرٍ وصرف عنه كل ضير، وكذلك من قبله قام الشيخ حسن عبدالجليل محمد الأبيض بطباعة الفتوح وسماه بـ( الفتوح المصونة المكنونة والعلوم المخزونة). إلا أنه مليئ بالأخطاء المطبعية وترتيبه كان عشوائياً. وكذلك ـ أيضاً ـ الشيخ العارف بالله عبدالحميد الشائف ـ أطال الله عمره ـ حيث قام بطبع بعض كتب شيخنا الأعظم ومؤخراً قام شيخ الطريقة العلوانية سيدي المولى محمد بن يحيى عبدالمعطي الجنيد ـ حفظه الله ـ بطباعة الفتوح وسماه بــ (الفتوح العلواني) وجعله قسمين: القسم الأول بعنوان (المواهب في الترقي إلى أعلى المراتب) والقسم الثاني بعنوان ( الفتوح الإلهية)، وجعل لكل فصل من فصول الكتاب مقدمة صغيرة بحيث يدرك القارئ مقصود الشيخ الأعظم من كلامه في الفصل.
    هذا ونحنُ في ملتقى التصوف الإسلامي بانتظار أن يكمل ـ شيخنا الجنيد ـ تحقيقه وتهذيبه لكتاب (الفتوح المصونة والأسرار المكنونة) وهو الجزء الثاني من الفتوح العلواني، وكذلك تحقيقه لكتاب(التوحيد الأعظم) وفور انتهائه منهما سنتولى ـ بإذنه تعالى ـ طبعهما، وإعادة طبع الفتوح العلواني، وهذا سيكون في العام القادم إذا تيسرت لنا الظروف بمشيئة الله تعالى.

    علاقته بالسلطة الحاكمة:
    عاش الشيخ الأعظم الإمام أحمد بن علوان سنوات عمره بين عهدين حاكمين لليمن وهما : النصف الثاني من عهد الأيوبين، وخمسة وثلاثون عاماً من بداية دولة بني رسول التي بدأت رسمياً عام 630هــ ( وفعلياً عام 626هــ).
    إن شيخنا الأعظم لم يكن قابعاً في زاويته بعيداً عن هموم مجتمعه كما هو حال بعض المتصوفة، بل كان مجاهداً شجاعاً، صادعاً بكلمة الحق، ثائراً ضد الظلمة المفسدين، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر.
    ومن ذلك رسالته التي وجهها إلى حاكم عصره الملك عمر بن علي بن رسول التي وعظه فيها بمواعظه، وقرَّعه بزواجره كقوله: « فاستيقظ أيها الملك عن هذا الإغماض ، فإن الملوك والحكماء أيقاظ … »، وكقوله: « فلا تكن أصلحك الله ممن غرته الدنيا، ومنته دوام المحيا فإنها كأضغاث رؤيا، لم تغن عنك من الله شيئاً… فأسس من المعروف أساساً، يكن لك عند الله غِراساً، وأزل من هذا المنكر بدعاً، يقطعك الله من الجنة قطعاً … »، وكقوله: « ولا يستغرق جهلك عقلك، أو يستفرغ وقتك شغلك بجمع هذه العاجلة عن الآجلة ».
    ثم يختم رسالته بقصيدة طويلة نقتطف منها هذه الأبيات:

    واختــم بـخـيـرٍ فـــإن الـمــلـك مـنـتـقـلٌ إلــى ســـواك فـــلا تــستــهــوك الفــتنُ
    هـــذي تـهــامـــة لا ديـنـــار عـنـدهـــم ولـحـج أبيــنِ بــل صنعــاء بـل عـــدنُ
    فـمــا ذنـــوبُ مـســاكـيـن الجبـالِ وهـم جـيـرانُ بيـتــكَ والأحــلافُ والســكــنُ
    والأضـعــفـون فـمـا يقتــاتُ أجــزلهـــمْ إلا بمـا جـــرت المسـحــات والـحِـجَــنُ
    فـانـظــر إلـيـهـــمْ فـعــيـنُ الله نـاظـــرةٌ هُــمُ الأمــانـات والسـلـطــان مــؤتمــنُ
    عــارٌ عــلــيــك عـمــا راتٌ مــشــيــدةٌ ولـلــــرعـيــة دور كــــلـهــــا دِمَــــــنُ
    لا تفـخـرنَّ بـجـمـعِ المـالِ كــيـف أتــى حـــاشــا وعـقـلك عقــلٌ راسـخٌ رصـنُ
    تــرى الألــوف ولـم تـسـتـفـتِ جامـعها أنـَّـى أتت وبـــأيِّ الـحــكــم تـخــتـــزنُ

    وكذلك قام بتوبيخ وتقريع أعوان الظلمة الذين باعوا دينهم بلُعاعةٍ من الدنيا
    فاسمعه حيث يقول:

    يــا بـائع التقــوى بـقيـمـة أكــلــةٍ وعصى الإله لقد ركبتَ الأخطَرا
    بالـفلـسِ والقيـراطِ تصبح خـالــداً فـي نـارِ مـن كنزِ الكنوزِ وقنْطَرا
    زقـومـها وحميـمـها وسمــومـهــا سيـّـان بـينـكـمـا تَقَـسَّــم أشـطـــرا
    وقــرنـتمـا أســرى بـغــلٍّ واحـــدٍ تتــلاعنـان علـى الإحـالـة والمرا
    وإذا أحـلت عــلــيه قـــال لأننـــي كنتُ الأمــير وكنت أنت المؤمَّرا
    فخـرجت لا دنيـا ولا أخـرى معـاً انظـر لنفســك قبـل ذلك منـظـــرا
    يـوم النـدا يـا بن مـن ظلم الورى والتـابـعيـن ومـن أمـرَّ ومـن بـرا
    يُلقـون في التابوت كي يُرمى بهم فــي النــار سـيدنـا بــذلك أخــبرا
    يـا مــستـحـَّـلاً للــمحـارم قــائــلاً أو ظــالمــاً أو جـاحـداً أو مُنـكِـرا
    العدل خصمك في غدٍ فاحذر غداً مــادام يمـهلك الــنِـدَا أن تـحــذرا
    هـذا أخــوك أليـس ربـكمــا معـــاً أحــدٌ ألـيس نبيــكم خيــر الـورى؟!
    فـأخـذت مـال أخـيك واستضعفته مـاذا تقــول إذا هــما لك أحضـرا؟!
    وبـأي وجـهٍ فـي غــدٍ تـلـقـاهـمـــا وقــد استغـاث أخوك منك وأكثرا؟!
    الـذنب يُغفـر إن سلـمت مـظـالمـاً إن المظـالـم ذنبـها لــن يُـغْـفَــــرا

    طريقته الصوفية:
    لم يُقلِّد شيخنا الأعظم أحمد بن علوان أية طريقة صوفية رغم انتشار الطريقة القادرية في عصره؛ وذلك لأنه صاحب مدرسة مستقلة، وطريقته تارة كان يسميها بالمحمدية ، وتارة بالعلوية، وتارة بالصمدية، وكلها تندرج تحت هذا المسمَّى (الطريقة العلوانية)
    قال ـ قدس الله سره ـ :
    نبويةٌ رُفِعَتْ لها الأعناقُ عَلَوِيَّةٌ عَلِقَتْ بها العُشَّاقُ
    وقال أيضاً:
    عـَـلَوِيَّةٌ نَبــويّةٌ صَمَدِيــةٌ أنـــوارُها تستطلعُ الأنوارا

    وقال ـ في موضع آخر عن الطريقة المحمدية وهو نفس مسمى المدرسة العلوانية وذات اللب والهدف ـ ما نصه: « واعلموا أن المحمدية قد أشرقت وأن سحائب صيفها قد أرعدت وأبرقت, وسفينتها قد صنعت, وقوائمها قد رفعت …. إلى قوله: وكونوا من الذين اختصوا بها, وأموا لسوحها »…إلخ. والعجيب أن بعض المتصوفة من الفقهاء يعترفون بولاية شيخنا الأعظم ابن علوان لكنهم يقولون بأنه ليس شيخ طريقة,. والذي دعاهم إلى هذا القول هو خوفهم من اطلاع الناس على كتبه ـ قدس الله سره ـ بسبب أن فيها ما يخالف منهجهم لا سيما عقيدة شيخنا الأعظم,.. كذلك تجدهم ينفِّرون الناس عن قراءة كتبه بحجة أنها غير مفهومة…
    ثم كيف لا يكون شيخ طريقة ومؤلفاته مليئة بالأوراد والأدعية والأذكار والتسبيحات إضافة إلى أنه رسم طريقاً ومنهجاً للسالكين ليسيروا على ضوئه, ومعلوم بأن شيخ الطريقة سُمِّى بذلك بسبب ما خّلَّفه من أوراد وأحزاب لمريديه… وشيخنا الأعظم أعظم من خلف من الأوراد والأدعية .. فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا.
    وخلاصة طريقته ـ قدس الله سره ـ هو التعلق بالجناب الأعظم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ واتباعه بالكلية.
    قال ـ قدس الله سره ـ في فتوحه :ـ « واعلم ـ يا أخي ـ أن الله تعالى لا ينظر إليك حتى يكون الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – بين يديك » .
    وهو الباب الأعظم الذي منه الدخول إليه ، والنور الأكرم الذي هو الدليل عليه .
    قال تعالى : [ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] .
    وقال في توحيده :« ورسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو باب الدور السابع، ومن فلكه بزغ بازغ الضوء الساطع، وعلى يده فتحت خزائن الأسرار، ومن نوره تفرعت ثواقب الأنوار، فمن قصد الله من غير بابه، وتقرّب إليه بغير كتابه، ولم يتبع سُنّة سيد أحبابه، صدم رأسه حجاب الدور، وقطع نفسه سمو الطور، فطار مخ دماغه، وهلك دون بلاغه، وانقبض شعاع عقله، وسقط على مزبلة جهله، بدليل قاطع قوله تعالى: [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ].
    وقد صرف الله الوجوه إلى وجهه، وحضّ الخلائق على اتباعه، فلا يسلم لأحد ينتحل حبه، ويدّعي مواصلته وقربه، حتى يكون له متَّبِعاً، وبسُنَّتِه عاملاً مقتديا.
    قال الله عز وجل: [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ]فحينئذ لا سبيل إلى أن تحب الله، أو يحبّك الله إلا باتباعه، والدخول في جملة أشياعه، فمن تابعه فكأنما بايعه، ومن واظب على سنته فكأنما فاز برؤيته.
    وكل مقام وصل إليه شيخ من مشايخ أهل الطريق، من التحقيق والتدقيق، والهداية والتوفيق، فمجراه من عين حقيقة الاتِّباع، والتَّبتل إلى الله عز وجل والانقطاع، فاعرفوا، ثم على ذلك قفوا، و [لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ] اهـ .
    واليك قصيدة لشيخنا الأعظم أشار فيها إلى كثير من الأسرار المتعلقة بالحضرة المحمدية وهي ـ كما وصفها رائد الطريقة العلوانية سيدي المولى محمد بن يحيى عبدالمعطي الجنيد ـ من أعظم القصائد وأكرم القلائد، وفيها من بلاغة العبارة ودقة الإشارة ما لايعرفه ويفهمه إلا من أحبه الله وأكرمه.
    وإليك القصيدة:

    نــفــسُ الـحـبـيــبِ الأكـــرمِ والــقــهــرمــانِ الأعـــظـــمِ
    بــيــتُ الـحـطــيـمِ وزمـــزمِ والــركــنُ مــنــه الأســحــمِ
    مـسـعـى الـهـدى عـــرفـاتـُه وصــفـــاه بـــل مـــرواتــُـه
    ومـــنـــاه بــــل قــــربــاتـُـه فـــي الـمـهـرجــان الأقـــدمِ
    وُضِـعَــتْ عـلــى أسـمــائــهِ فــــي أرضــــه وســمــائــهِ
    مُـــــذْ آدمُ فـــــي مـــــائـِـــه أســــــرار مــــــا فــــي آدمِ
    شــمـــراخُ سِــدْرَةِ مـنـتـهـى أهـــلُ الـتـنـاهــي والـنـهــىَ
    تـــاجُ الــمـفــاخــرِ والـبـَهـا لاهـــوتُ شــمــسُ الأنــجُـمِ
    كـــفُّ الـمـكـارمِ والـعـطـا مـا حـي الـجـرائـمَ والخَـطَـاَ
    أعـلـى الـكـواكــبِ أرْسـُـطَا والـحـاجـــبِ الـــمـُـتــكــلِّــمِ
    صــيــفُ الـمـراحـمِ والهدى حــرف الــمـنـادي والــنِــدَاَ
    كـالــبــدرِ مــن أفــقٍ بـــدا فــي جُـنْـح لــيــلٍ مُــظْــلِــمِ
    فــجــرُ الـبـشـارةِ صُـبـْحُـها قَـــلَــمُ الـمَـشـيِـئـةِ لَـْــوحُـهَـا
    نَـفَــسُ الـبــريــةِ رُوحُــهــا وســـــوارُ ذاك الــمِـعْـصَـــمِ
    أســفــارُ لـــيـــلٍ قـــدْ دَجَــا كـهــفُ الـمـطـالبِ والــــرجا
    مــن شــام بـــارقـــه نــجــا من كُلِّ هـــول مـــعـــظـــمِ
    صـافـي الصفات المصطفى مــيــثــاق إخــوانِ الــصـفـا
    حــبــلُ الــتـعـلـُّـق والــوفــا مــفــتــاح قُـــفـــل الأنــعُــمِ
    مــاءُ الــجــنــان الـكـوثـري شــمــس الـعـلا والمـشتـري
    والـجـهـر والـسـر الــسَـرِي إنــعــامُ كَـــفِّ الــمُــنْـــعِـــمِ
    طــور المقـــام الأشـــــرفِ هــاجــي رمــوز الأحــــــرف
    أقــــــداره لـــــــم تُــعْــرَفِ وعـلــومُـــه لــــم تـُــعْـــلــمِ
    مــحــرابُ قــــدسِ الـجـامعِ بــحــرُ الــبـــلاغِ الـسـابـــعِ
    مـــرْجُ الــفــضــاءِ الـواسـعِ فــتـــح الــرتــاج الـمُـبْـهَــمِ

    أقول ـ أنا كاتب هذه الأسطر عدنان الجنيد ـ بدون مبالغة: إنه لا يوجد من مدح الجناب الأعظم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من عهد زمنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلى زمننا الحاضر بمثل هذه القصيدة العلوانية ـ التي ذكرناها آنفاً ـ فهي تحوي حقائقه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ العظيمة ومعارفه الكريمة، وأي سالك أو مريد أو شيخ جعل هذه القصيدة ورده اليومي، وجد الفتوح وحصل على المنوح وصار المصطفى له حبيب القلب والروح.

    التصوف ( شروطه ـ آدابه ـ أركانه ـ واجباته ) عند ابن علوان:
    قال شيخنا الأعظم ـ قدس الله سره ـ في فتوحه :ـ
    اسلكوا أيها الاخوان على بركة الله سبيل الأخيار ، الماشين بقدم المختار إلى حضائر قدس الجبار .
    وتفسير ذلك القدم أربعة أشياء :
    ـ المحافظة على ما أمر الله به من الفرائض بفقه ومعرفة .
    ـ المحافظة على ما سنَّ رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – باجتهاد وعزيمة
    ـ الإخلاص فيما تحافظون عليه .
    ـ الافتقار ممَّا تخلصون فيه .
    وعليكم بالورع عن ثلاثة أشياء، والزهد في ثلاثة أشياء، والرغبة في ثلاثة أشياء.
    * فالورع: عن الحرام والشبهة ، وعن الغضب والحدة ، وعن الطمع والشهوة .
    * والزهد: فيما أوتيتم بالإيثار والمواساة، ثم في ما فضَّل الله به بعضكم على بعض من الغنى والزيادات ،ثم الزهد في حظوظ أنفسكم من الكبر والرياسات .
    * والرغبة: في مجالسة الحكماء ، ثم في مجالسة الكرماء ، ثم في مجالسة أهل السماع ولا تحصلون على ذلك إلا بمجانبة الأضداد، والهرب من مخالطة أهل الفساد، الجهلة برب العباد،الغفلة عن يوم المعاد .
    واقتبسوا العلم من العاملين به لا من الحافظين له، لأن النفس لصورة الحال أعشق منها لِصورة المقال .
    ● واعلموا أن الفقرـ أي التصوف ـ ليس بحلق اللحا، ولا بالإقراع والحفا، ولابسوء الخلق والجفا، ولا بأكل الحشيشة المخدرة المطيشة ، ولا بضرب الدفوف والمزامير، ولا برقص كل متواجد مستعير، ولا بالأحكام المخالفة لأحكام الملك الكبير المنافية لسنة نبيه الجليل الخطير، الذي ليس له شبه ولا نظير – صلى الله عليه وآله وسلم – إنما الفقرـ أي التصوف ـ العلم بالطريق، والمتابعة بالعمل على التحقيق، والإيمان والتصديق مع ما يمد الله به من العصمة والتوفيق .
    ● واعلموا أن للفقراء ـ أي الصوفية ـ إخواناً من الأغنياء ، أوجب الله سبحانه لهم من المحبة بما ثبت بينهم في سبيله من المباذلة والصحبة ، ـ بقوله تعالى ـ في حديثه القدسي ـSadوجبت محبتي للمتحابين فيَّ ، والمتزاورين فيَّ ، والمتباذلين فيَّ ، والمتجالسين فيَّ) .
    وهم الذين بسطوا للفقراء أكنافهم، وجعلوهم شركاء فيما رزقهم الله، وأضافهم أولئك الذين يتحمل الفقراء ما ثقل من سيئاتهم ويزكون ما خمل من حسناتهم ، ويعمرون ما خرب من أوقاتهم، فطوبى للأغنياء إذا كانت هذه صفتهم مع الفقراء، وطوبى للفقراء إذا كانت هذه صفتهم مع الأغنياء .
    هؤلاء آثروهم بأموالهم، وهؤلاء نصروهم بدعائهم. ما أشبههم بأهل الصفة والأنصار – رضي الله عنهم – وجعلنا وأياكم منهم .
    ● واعلموا أن قصر التصوف بُني من جوهرين: أحدهما (كمال التقوى) والآخر (حسن السخاء . )
    فكمال التقوى أساسه، وحسن السخاء رأسه .
    * واستقر الفقرـ أي التصوف ـ الخاص، فقر أهل المعرفة والإخلاص، على عشرة أركان:
    • علم ما لابد للسالك من العمل به من أصول الشريعة .
    • علم ما لا كمال للسالك إلا به من آداب الحقيقة .
    • معرفة النفس لأنه بمعرفتها ينحلها عملها ، فلا تـنـتحل من المناصب ما ليس لها .
    • الورع عن الحرام ومخالطة الآثام .
    • القناعة بالمقسوم من الملبوس والمطعوم .
    • الزهد واليأس ممَّا في أيدي الناس .
    • الصبر على جميع الأذى الصادر من جميع الورى .
    • العدل في ملازمة الإخوان، والإراحة عليهم إذا وجدت بحسب الإمكان .
    • النية في السياحة ، لطلب الفائدة لا لطلب الراحة .
    ● التواضع لله ، لا لثناءٍ ولا لعلة .
    * وواجباته خمس وبها يكمل الإيمان :
    • الفتوة والإيثار في الإعلان والإسرار .
    • محاسن الأخلاق مع الخلق والخلاَّق .
    • الرضا بالقضاء في المنع والعطاء .
    • مؤاخاة النصحاء ومجالسة العلماء .
    • مراقبة الرب وملاحظته بعين القلب .
    فهذه درجات السالكين ومعارج الناسكين إلى الأفق المبين، الذي منه الوصول إلى مقامات المقربين، ومجاورة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا .
    وليعرض الفقير ـ أي الصوفي ـ نفسه المشتاقة إلى مرافقة هذه الرفاقة،على كل ركن من هذه الأركان المذكورة فيرتقيه، وعلى كل أثر من هذه الآثار فيصطفيه، فإن وجدها له موافقة، وعلى كل نكتة من هذه النكت مصادقة، وإلى رتب الفضل والإحسان مسابقة، فليعلم أنها فيما تدَّعيه صادقة. وإن لم يجدها له موافقة، ولا على كل نكتة من هذه النكت مصادقة، ولا لخصالها الذميمة مفارقة، فليعلم أنها منافقة وفي كل ما تدَّعيه غير صادقة ».

    صفات الصوفية عند ابن علوان:
    يذكر شيخنا الأعظم أوصاف الصوفية في متفرقات من كتبه بأوصاف عظيمة وصفات فخيمة، اسمعه وهو يتكلم عنهم قائلاً:
    « إخوان بنسب الله، وأرحام برحمة الله، وأحباب بمحبة الله، أعوان على أمر الله، جمعتهم الحاجة إِلى الله، وأفزعتهم الرهبة من الله، ودعتهم الرغبة فيما عند الله، فاحتلقوا على مائدة ذكر الله، يتساءلون عن الله، ويتذاكرون نعم الله، ويتواصون بحق الله، وبالصبر على حكم الله.لا يلغون ولا يلهون، ولا يزهون ولا يسهون، ولا يتفاخرون بالأنساب ولا يتكاثرون بالأحساب، ولا يتنابزون بالألقاب، ولا يجهرون من حضر، ولا يغتابون من غاب.
    يُقَرِّبون القصاة، ويستغفرون للعصاة، ويُلَيِّنون القساة، ويُذَكِّرون النساة.
    أوصافهم طاهرة وأنوارهم ظاهرة، وألسنتهم ذاكرة، وقلوبهم حاضرة، وأعينهم بالدموع ماطرة، يميتون الدنيا ويحيون الآخرة.
    إذا سمعوا وعوا، وإذا افترقوا رعوا، وإذا أمروا سعوا، وإذا فُتنوا دعوا.
    أولئك رجال الله، وجلساء الله. أحاط بهم سرادق هيبة الله، وحفّت بهم ملائكة الله، واكتنفتهم لطائف الله، وأمطرتهم سحائب الله بربيع نعمة الله، فنفعهم الله، وانتفع بهم خلق الله.
    أولئك لا يشقى بهم جليسهم، ولا تطمخ بهم نفوسهم، ولا يخجل بهم رئيسهم، دارت عليهم بحب الله كؤوسهم، وتجلَّت لهم بمعرفة الله عروسهم، وأينعت بثمار الرؤية غروسهم، وسطعت في عالم الملكوت شموسهم، وتعطل من الدينار والدرهم كيسهم.
    فهم الفقراء الأغنياء، وهم الأولياء الأصفياء، وهم الميتون الأحياء، لا يتعلقون بالأشياء، ولا تتعلق بهم الأِشياء، أرواحهم في الآخرة، وأجسامهم في الدنيا، وجليسهم المولى على البساط الأعلى، وبذلك يفتخر المفتخر،(في مقعد صدق عند مليك مقتدر)».
    ثم يزيد في وصفهم منطلقاً من قوله تعالى ـ فيهم ـ: [لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا].
    فقال ـ قدس الله سره ـ:« أولئك قوم حبسهم حسن التوكل عن قبيح التأكل.
    ومنعهم عز التعفف عن ذل التكفف، واشتغلوا بالفرض خوف العرض .(لا يستطيعون ضرباً في الأرض) .أتقياء أخفياء (يحسبهم الجاهل أغنياء) .(تعرفهم بسيماهم) لا بزيهم ودعواهم .لا يستجدون لحافا (لا يسألون الناس إلحافا) : أولوا أطمار رثة ومعيشة غثة، ومحاسن منبثة، ومساوٍ مجتثة ،الحرام نارهم، والحلال عارهم،والمعرفة أسرارهم، والمحبة إضمارهم ،والشوق أطيارهم، والتفكر أبصارهم ،والفتوة آثارهم، وحسن التوكل شعارهم، وعن الله أخبارهم، وإلى الله أسفارهم، وعلى الله قرارهم، وبالله انتصارهم، وفي الله إقبالهم وإدبارهم .
    وعن الله إيرادهم وإصدارهم [أولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون] » .
    ثم قال رضي الله عنه: « أتدرون ما صفة الذين معه ليتفكر في وصفهم من سمعه ؟
    [رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله] .
    [رجال يحبون أن يتطهروا] عن مباشرة الآثام ، وإدخال الضرر على الأنام، بالألسنة والسيوف والأقلام .
    [رجال يحبون أن يتطهروا] للصلوات في الليالي والأيام .
    [لا تلهيهم تجارة] عرض ، ولا فلاحة أرض ، ولا مسألة قرض عن المحافظة على الفرض عند أوان الفرض .
    [رجال صدقوا ما عاهدوا] مذ آمنوا ما كفروا ، ومذ أقبلوا ما أدبروا ، ومذ وردوا ما صدروا، ومذ صدقوا ما كذبوا، ومذ زهدوا ما رغبوا، ومذ جدوا ما لعبوا [رجال مؤمنون ونساء مؤمنات] يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، ويجتهدون في الحسنات ويتشرفون عن السيئات ، يخالفون الشهوات ، ويتطوعون بالصدقات . فهم له قانتون، وإلى وجهه الكريم ملتفتون، وعلى بساط التوكل عليه مخبتون.
    أحياء بالطاعة وعن المعصية ميتون غشيت عقولهم أرواح المعرفة بحقائق الصفات، كما غشيت أجسامهم أرواح الحياة في بطون الأمهات .فتحركت عقولهم بتلك الأرواح الشريفة إلى محاسن الأخلاق، كما تحركت أجسامهم بتلك الأرواح اللطيفة إلى طلب الأرزاق .فاكتسبوا من كل علم أنفعه، وحفظوا من كل قول أحسنه، واختاروا من كل عمل أزكاه ، وتدينوا من كل دين أتقاه .وسلكوا من كل سبيل أهداه، ولبسوا من كل خلق أعلاه .اقتفوا آثار المؤتلفة قلوبهم من ذلك السلف ، وفارقوا المختلفة قلوبهم، من هذا الخلف .
    فتفردوا وهم مع الإخوان، وسافروا وهم في الأوطان. ناهضين إلى لقاء الرحمن، على مدارج السنة ومعارج القرآن، لا يلهيهم شأن عن شأن ، ولا يقطعهم أوان عن أوان، ولا ينقلهم زمان عن زمان، ولا يزحزحهم مكان عن مكان، لاستغراقهم بمشاهدة مُكِّون الأكوان، ومُدِّبر الأزمان، ومُلوِّن الألوان، ومُعيِّن الأعيان .
    فلو شاهدتم أيها الإخوان إدبارهم عما إليه أقبلتم، وإعراضهم عما إليه أسرعتم، وإقبالهم على ما عنه أعرضتم، وإسراعهم إلى ما عنه أدبرتم.
    لتحققتم أنكم كالأنعام، في جنب ما اوتوا من العقل التام ، وعلمتم أنكم في الخسران، في جنب ما ربحوا من الفضل والإحسان .
    ولأيقنتم أنكم في النقصان ، في جنب ما حصلوا عليه من كمال الأديان ».

    حقيقة التوحيد عند ابن علوان :
    قال ـ قدس الله سره ـ في فتوحه مانصه:
    « وليس حقيقة التوحيد أن لا شريك له في الملك إذ هو كذلك، من قبل أن يأمرك بذلك.
    ولكن حقيقة التوحيد أن لا شريك له في القلب ، ولا ثانٍ له في المحبة ، إذ هو أغنى الشركاء عن الشرك في كل حال » .

    حقيقة الإخلاص عند ابن علوان:
    قال ـ قدس الله سره ـ في فتوحه مانصه:ـ
    « وترى قوماً يدَّعون الإخلاص منذ أربعين سنة وأكثر من ذلك ، وما شهد لهم شاهد الحكمة ، ولا جاد على قلوبهم غيث الرحمة .
    وذلك من حيث ظنوا أن الإخلاص كثرة الصلاة والصيام ، والحج والصدقة ، وذكر اللسان وخرط المسابح وهيهات .
    إنما الإخلاص: تجريد القلب وتفريده، وتصحيح الحب وتجديده، ومراقبة الرب وتوحيده، وتفريق المال وتبديده، وتهذيب العزم وتسديده، وتصعيد الحنين وترديده، بصفة الواله العميد، والصبِّ الشهيد الذي تعلقت عين فؤاده بمشهوده وتشبثت أنامل قلبه بموجوده. فاستمسك بالعروة الوثقى، وانتقل بهمته إلى الطور الأعلى ، واستغنى عن كل أحد بالمولى (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) .
    آخذاً بحجزة المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – داخلاً في صف من صدق ووفا، وتطهر من درن الشك وصفا ، وانقطع أثر حب الدنيا من قلبه وعفا.
    فمنحه الله – عز وجل – المعرفة والحكمة، ومنحه الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – حسن الخُلق والسنة، ومنحه الصحابة – رضي الله عنهم – نور التصديق والعفة فعاش في الدنيا بأنفاسهم، لما شرب من رحيق كأسهم، ينتظر الانتقال وقد شدَّ ركائبه للترحال، وأعرض عن النفس والأهل والمال ذلك سيد الرجال وأبو الأشبال، وبدر الكمال » .

    حقيقة الفرائض والنوافل عند ابن علوان:
    قال ـ قدس الله سره ـ في فتوحه مانصه:
    « فالفرائض أن تطيعه ولا تعصيه .والنوافل أن تسعى في كل ما يرضيه .
    فإذا أحرزت ذلك ظاهراً وباطناً ، واستصحبته ظاعناً وقاطناً ، صار القلب مسكناً والحبيب ساكناً .
    فطهِّر الظاهر من الحركات المذمومة ، وطهِّر الباطن من الخطرات المشؤومة. فالحبيب الواحد لا يصلح له إلا قلب واحد ، وبعيد أن يسع مولاه وفي ضميره شيء سواه .

    ابن علوان (مجتهدٌ ومجددٌ):
    كان شيخنا الأعظم ـ قدس الله سره ـ مجتهداً ومجدداً سواء في العلوم الشرعية أو في علوم التصوف .
    * في التفسير: لم يكن مقلداً للمفسرين في تفسيرهم لآيات القرآن الكريم؛ لأنه فاقهم بعلوم اللغة بما فيها من بلاغة ومعانِ وألفاظ ومبانٍ . فعلى سبيل المثال تفسيره لقوله تعالى: [فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ… ] وقوله تعالى:[ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا] وقوله ـ أيضاً ـ [يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ]
    قال ـ قدس الله سره ـ
    أما قوله تعالى: [فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ] فإنه أراد من هذه الأمة المحمدية.[ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ]، والسهو على وجهين:
    ـ سهو في الصلاة كما يعرض فيها من الوساوس والخواطر، وهو ما يحتمله عفو الله تعالى لقوله: [لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا]. وليس في وسع النفس الإنسانية دفعاً لكل خاطر.
    ـ وسهو عن الصلاة وهو إيثار ما لنفسك من الحظوظ الدنيوية على ما لله، والتشاغل به إلى آخر الوقت والتباسه بوقت آخر، فهؤلاء هم المرادون بالآية.[الذين هم يراءون] أي يقصدون بالصلاة الحياء من الناس، والتعرض لحسن ثنائهم عليهم، وإقبالهم بوجوههم إليهم، أو ليأمنوهم على أموالهم ونفوسهم، فيحصلون بذلك على ما يريدون، والله أعلم بما يوعون [فبشرهم بعذاب أليم].
    والماعون هو كل ما عَدِمه أخوك أو جارك ووجدته، فاحتاج إلى عاريته أو مواساة منه، فإن حَرمته ذلك فقد منعت الماعون.
    وأما قوله تعالى : [وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا].
    فإن طائراً هاهنا من التطُّير، وهو أن يصيبك شر أو بلاء، فتتطير بشيء تسمعه أو تراه، فتضيف ذلك الشر إليه وتحمله عليه.
    وهذا مما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : “لا طيرة”
    فإذا أراد الله تعالى بذلك أنه قدم الأمر والنهي على ألسنة رسله، في تنزيل كتبه، وبَيَّن وعَيَّن، ووعد وأوعد.
    فإذا كان يوم القيامة أقام الحجة عليهم بما أرسل إليهم، فيعترفون بذنوبهم، ويسارعون إلى مقت أنفسهم ولومها.
    فالطائر الذي في أعناقهم هي اللائمة والمقت والتطير الذي يقع منهم عليها، [وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ].
    وأما قوله تعالى : [يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ]، كل من أخذت عنه دينك وعقيدتك، وعلمك وعملك، وسيرتك ومِلّتك، دعيت به، فإن كان مُحِقاً نجا ونجاك، وإن كان مُبطلاً هلك وأهلكك.
    * في العقيدة: لم يقلِّد أيَّة فرقة لا الأشعرية ولا المعتزلة ولا غيرها، بل خالفهم في ذلك، فانظر كلامه في القضاء والقدر وغيرها من مسائل العقيدة فستجد البلسم الشافي والكلام الوافي الذي تطمئن إليه القلوب، وتزداد معرفة بعلاَّم الغيوب
    قال قدس الله سره ـ:
    وأما القضاء الذي يلزمنا العبارة عنه، والكشف عن مشيئة ما أشكل منه، فإنه على ثلاثة أوجه :
    قضاء علم ، قضاء حكم ، قضاء حتم.
    ـ فأما قضاء العلم: فهو العبارة الجامعة لكل ماسبق في أم الكتاب كَوْنه، وقَدّر فيه وقته وأينه، وهو ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ، من أقوال الخلق وأفعالهم ونيّاتهم، وهو الإمام المبين، الجامع لأشكال الخلق أجمعين.
    ـ وأما قضاء الحكم: فهو ما قضى الله به في محكم كتابه من الأمر والنهي، والأحكام والحدود، والشرائع والسنن، وهو موقوف من كل مُكَلّف على الاختيار لا على الاضطرار والإجبار، كما قال تعالى:[ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ]. [اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ]. [إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا] وما أشبه ذلك.
    ـ وأما قضاء الحتم: فإنه ما قضى الله عز وجل به من خلق الخلق ورزقهم، وخيرهم وشرهم، ونفعهم وضرهم، وغناهم وفقرهم، وصحتهم وسقمهم، وخصبهم وجدبهم، وحياتهم وموتهم، وثوابهم وعقابهم، تدخل فيه الحسنة الدنيوية والسيئة، وتخرج عنه الحسنة الدينية والسيئة، وهو ما أراد الله عز وجل بقوله حيث أخبر عن الكفار:[ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ].
    لأن الكفار كانوا في جاهليتهم لا يعرفون الحسنة إلا صحة الجسم، وكثرة المال، وذكورة الولد، وخصب البلاد، وما أشبه ذلك، ولا يعرفون السيئة إلا مرض الجسم، وقلة المال، وإناث الولد، وجدب البلاد، وما أشبه ذلك.
    فنسبوا كل حسنة تأتيهم مما هذا سبيله من الله فضلاً، ونسبوا كل سيئة تأتيهم مما هذا سبيله من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تطيُّرا.
    وأما القدر: فإنه مشتق من التقدير لا من القدرة، وتفسير لفظه: تأريخ المعلومات وتعينها متى تقع، وكيف تقع، وأين تقع، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (كل شيء بقضاء وقدر، حتى العجز والكيس)، أي بقضاء وقدر، معلوم أو محكوم أو محتوم، على ما ذكرنا أولاً.
    ومن هنا نعلم ونعتقد أن الله قضى بالمعصية قضاءً معلوماً، وقدّر كونها من فاعلها قدراً معلوماً. ولم يقض بها قضاءً محكوماً، ولا قدّرها قدراً محتوماً؛ لأن قضاءه الحق والمعصية باطل، وحكمه العدل والمعصية ظلم، وحتمه الجبر والمعصية تمكين، والله أجلّ وأعظم وأعدل وأكرم من أن يعيب شيئاً أو يقبّحه أو يذمّه أو يغضب منه أو يعاقب عليه، وله شركة فيه بمشيئتة أو إرادة أو قضاء محكوم أو قدر محتوم.اهـ .
    وللاستزادة انظر كتابه (التوحيد) لا سيما الجزء الأخير الذي حوى عقيدته قدس الله سره .
    * لم يقلد مذهباً :
    فلم يكن منتمياً ولا مقلداً لأي مذهب من المذاهب الإسلامية، بل كان محمدياً صرفاً، وما ذُكر في مقدمة عقيدته بأنه شافعي المذهب، فإنما هو مدسوس عليه من قبل النُسَّاخ الذين جاؤوا بعد زمنه، وقد وجدنا في بعض النسخ المخطوطة أنه زيدي المذهب .وكل ذلك ليس بصحيح؛ لأن الأولياء الكُمَّل لا يتقيدون بأي مذهب كما حكى ذلك الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن عربي في فتوحاته المكية.
    ولأنهم ـ أيضاً ـ قد بلغوا مرتبة الاجتهاد، بل قد صار أخذهم من سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مباشرة دون واسطة. كذلك كلامه وقصائده ـ قدس الله سره ـ تثبت بأنه لم يكن شافعي المذهب، فقد قال ـ مشيراً إلى نفسه ـ

    وخـذوا فمِـنْ بحـرِ الحقيقة تأخذوا ممَّـــن أتـــتــه بـــذلك الأنــبــــاءُ
    ممَّـــن يـديــن بـديــن آلِ مـحـمــدٍ وعلــيه مــنهــم بــهـجــةٌ وضـياءُ

    وهذان البيتان ضمن قصيدة طويلة في كتابه التوحيد .
    فلاحظ هنا قوله: ( ممن يدين بدين آل محمد) فكلامه صريح لا يحتاج إلى تأويل . كذلك كيف يُقلِّد مذهباً من المذاهب وهو يُعدُّ إماماً من أئمة آل البيت ـ عليهم السلام ـ الذين أمرنا سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ باتباعهم، كما جاء في حديث الثقلين وهو حديث متواتر فاعتبر واستبصر.

    * في التصوف: إن شيخنا الأعظم لم يُقلِّد الصوفية الذين سبقوه أو الذين عاصروه في ضرورة اتخاذ الشيخ المربي للمريد السالك، ولا بضرورة المبايعة ولبس الخرقة ولا بأمور أخرى. وقد تكلمت عن هذا الموضوع في مقابلة صحفية
    وإليك المقال مع عنوانه
    ابن علوان …إبداعٌ يلامس أدواء العصور ويُطبِّب النفوس

    أجرت الصحيفة الثقافية في العدد( (487 ) تأريخ 21 جمادي الآخرة 1430 هـ الموافق (يمنع عرض أرقام الهواتف بدون أذن الإدارة) م حواراً مع بعض العلماء والباحثين حول شخصية الشيخ أحمد بن علوان ، وكان السؤال الموجه للسيد عدنان الجنيد هو مايلي : هل تتلمذ الشيخ أحمد بن علوان على يد أحد رجالات التصوف ؟وإذا كان كذلك فمن هو الشيخ الذي تأثر به ؟وبماذا تميز الشيخ ابن علوان عن غيره من مشايخ الصوفية ؟ فأجاب السيد عدنان بما نصه: قبل أن نجيب على الفقرة الأولى من هذا السؤال لابد من تمهيد حتى يتسنى للقارئ فهم الجواب .
    :إن من يستقرئ القرآن الكريم فسوف يجده مشحوناً بالآيات التي تبطل التقليد وتذمه وتدعو إلى إعمال العقل فمنها قوله تعالى: [وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ]البقرة:170
    وقوله تعالى وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون]المائدة :104
    إن التقليد لا يجوز عند أكابر الصوفية من المحققين فهذا الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي يقول في فتوحاته{2/162} ما نصه Sad(والتقليد في دين الله لا يجوز عندنا لا تقليد حي ولا ميت ))1هـ.
    وأمّا شيخنا الإمام أحمد بن علوان فقد نبذ التقليد بجميع أشكاله ودعا إلى تحرير العقل من كافة أشكال التقليد، ومن يقرأ كتبه فسيجد صدق ما قلناه، يقول في مقدمة كتابه التوحيد الأعظم Sad(الحق على الحقيقة واضح الطريقة ,ما لم تجد العقول الصافية , والأسرار الموجبة النافية ,سبيلاً إلى نفيه ولا طريقاً إلى جحوده ,اضطراراً قام عليه البرهان ,لا تقليداً لما رواه فلان عن فلان…))1هـ
    ويقول ـ أيضاً ـ في قصيدة له وإليك جزء منها :

    تـدوم حـيـاة الفـرع مــادام أصـلــه علـى الـدهــر حياً يستمد من النهـرِ
    فـإن غِيـض مــاء أو أصـابته علــة تنكّـس فاستلقى الجميع على الظهرِ
    كذا الـروح مهما قارن الجسم قـائـم وينـقـل عنـد الانتـقـال إلــى القـــبرِ
    إشــارة حــيٍّ نَّـور الحـيُّ عــقــلــه فـأصبح يـدري والمـقلِّـد لا يــدري

    فالشيخ ـ قدس الله سره ـ لا يرى ضرورة اتخاذ الشيخ المربي إذا ما كان المريد عارفاً بكتاب الله وسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فلا داعي إلى أن يقلد أي شيخ من مشايخ التصوف، يقول في توحيده Sad(فإنه إذا كان المريد مراداً من جهة الحق عارفاً بكتاب الله عاملا ًبه ,متبعاً لسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مقتدياً به,أثمر فيه ذاك الاقتداء,مع ما سبق له من الإرادة والهدى ,حكمة يرفعه الله بها إلى مقام المقربين ويغنيه بها عن الخلق أجمعين ,ألا تسمع إلى قوله تعالى على لسان نبيه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ[لن يتقرب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت’ له سمعاً وبصراً ويداً, ومؤيدا]، فهل هذا الخبر موقوف على العمل بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ؟ أم على الأخذ بأيدي المخلوقين ـ أي من مشايخ التصوف ـ [وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا] إذاً فشيخنا ابن علوان يرى أن العمل بكتاب الله وسنة رسول الله مباشرة أولى من التتلمذ والأخذ من رجال التصوف إلاّ إذا كان المريد جاه

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد سبتمبر 29, 2024 4:39 pm