بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الاحد الفرد الصمد , و صل اللهم على سيدنا محمد الفاتح لما اغلق و الخاتم لما سبق و على اله الاطهار و اصحابه الاخيار
يقول علي حرازم براده: "وسألته رضي الله عنه (يعني شيخنا سيدي أحمد التجاني) بما نصّه : سيّدنا أدام الله علوّك وارتقاءك ، بيّن لنا حقيقة الكشف الصحيح إذا خالف النصّ الصريح ، ماذا يقدّم ؟
فأجاب رضي الله عنه بما نصّه ، قال : إعلم أنّ النصّ الصريح والكشف الصحيح من أربابه لا يختلف ، لا مادّة ولا نهاية ، فكلاهما واحد من عين واحدة ، لأنّ النصّ الصريح من ذات سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم برز ، سواء كان حديثا أو قرآنا ، والكشف الصحيح لأربابه عن فيض حقيقته المحمّديّة فاض ، وكلاهما إنّما كان صلّى الله عليه وسلّم فيهما واسطة ، وهما من عند الله منشأ ، فلذا قلنا لا يختلفان ، فإنّ الكشف الصحيح لا يدلّ إلاّ على ما دلّ عليه النصّ الصريح بتصريح أو تلويح أو تضمين ، فإنّ المكاشف في بعض أحواله إذا توجّه مطالعا لحكم في عين المسألة التي يريدها ، إن رآها نورا أو اكتست نورا أو أحاط بها النور دلّ على أنّها مطلوبة شرعا ، إمّا وجوبا أو ندبا ، وإن رأى المسألة ظلمة أو كستها ظلمة أو أحاطت بها ظلمة دلّ على أنّها مطلوب ترْكها شرعا أو تحريما أو كراهة ، وإن رآها في كشفه لم يقع عليها لا نورا ولا ظلمة دلّ على أنّها مباحة لا يطلب فعْلها و لا ترْكها لذاتها . وقد ينقل حكم المباح إلى الوجوب والتحريم لعارض في الوقت إذا كان يؤدّي ارتكابه إلى محرّم ، أو كان يتوقّف على تحصيل واجب أو مندوب ، وإلاّ بقي في حيّز الإباحة ، وإن أفتاك المفتون في المسألة فاستفت فيها قلبك ، ولا يكون هذا إلاّ للعارف الكامل فقط ، فإنّه صاحب الكشف الصحيح لبعد نفسه عنه ، فإنْ حِيلَ بينه وبين نفسه بأنوار القدس ، فكلّ ما يتوجّه له في أموره هو من الله تعالى ، لكن في أمور دينه لا في أمور دنياه ، فإنّ أمور دنياه هو فيها كسائر الخلق . وقد حكى الشاذليّ رضي الله عنه ، قال : كنت كثيرا أبحث عن كلام القوم حتّى قال له الحقّ في بعض وقائعه ، ناهيا له عمّا يبحث عنه من كلام القوم ، قال له : تعريفي لك يغنيك على علم الأوّلين والآخرين ما عدا علم النبيّين والمرسلين . إنتهى . فإنّه هو الأصل المرجوع إليه لا واسطة بين الله وبين العباد إلاّ النبوة ، ومن رام الخروج عنها ، أعني النبوّة ، طالبا للأخذ عن الله من غيرها ، كفر وخسر الدنيا والآخرة . وما ذُكِرَ من أنّ العقل يأخذ العلم عن الله بلا واسطة فإنّه مِنْ نَفْيِ الواسطة المشهودة ، لا يشهد واسطة بينه وبين الحقّ أصلا ، لكنها موجودة في نفسها غير مشهودة له ، وهي الحقيقة المحمّديّة ، فإنّه لا مطمع لأحد في درك حقيقتها فضلا عن مشاهدتها ، فإنّها أخفى من السرّ الخفيّ ، فإنّه يرى نفسه يأخذ العلم عن الله بلا واسطة ، وما برز له ذلك العلم إلاّ من الحقيقة المحمّديّة من حيث لا يراها وإن رآه من الحقّ ، فإنّه مغطّى عليه بحجاب التلبيس ، فهذا معنى أخْذ العلم عن الله بلا واسطة . وأمّا أن يتوهّم أنّ العقل ، أو غيره ، يأخذ العلم عن الله تعالى من غير واسطة الحقيقة المحمّديّة مجرّدا عنها فهذا لا سبيل إليه ، وهذا الوهم أمر باطل ، وإنّما نفي الواسطة في حقّه نفيا شهوديّا لا نفيا وجوديّا ، فإنّه في وقتالأخذ عن الله ينمحق الأخذ محقا كلّيّا ، فلا يبقى له شعور بنفسه فضلا عن غيره من الوجود ، فيسمع ما يسمع في تلك الحضرة من الإلقاءات وما ثَمَّ إلاّ الحقّ المتكلّم والآخذ لا غير . وقد قلنا في بعض الأجوبة أنّه يتدلّى للعارف سرّ من أسرار الحضرة القدسيّة يأخذه عن نفسه ويغطّي عنه وجوده مع جميع الوجود ، ويريه ذاته عينيّة الحقّ ، فيكون ناطقا لا بلسانه ، سامعا ورائيا لا ببنيته ، مدركا لا بجنانه ، بل هو بالحقّ للحقّ في الحقّ عن الحقّ ، إدراكا وإحساسا ، وشهودا وتلقيّا ، ولا قدرة للعبد إذا صادمه هذا السرّ عن الخروج عن دائرة حيطته ، فإنّ هذا السر إذا ورد على العبد قاهر بقوّة سلطانه ، غالب بسطوة جلاله ، لا قدرة لأحد أن يخرج عنه إلاّ إذا سرى منه ، والواسطة للحقيقة المحمّديّة في هذا موجودة غير مشهودة ولا معقولة ولا محسوسة .
انتهى " اهـ
الحمد لله الواحد الاحد الفرد الصمد , و صل اللهم على سيدنا محمد الفاتح لما اغلق و الخاتم لما سبق و على اله الاطهار و اصحابه الاخيار
يقول علي حرازم براده: "وسألته رضي الله عنه (يعني شيخنا سيدي أحمد التجاني) بما نصّه : سيّدنا أدام الله علوّك وارتقاءك ، بيّن لنا حقيقة الكشف الصحيح إذا خالف النصّ الصريح ، ماذا يقدّم ؟
فأجاب رضي الله عنه بما نصّه ، قال : إعلم أنّ النصّ الصريح والكشف الصحيح من أربابه لا يختلف ، لا مادّة ولا نهاية ، فكلاهما واحد من عين واحدة ، لأنّ النصّ الصريح من ذات سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم برز ، سواء كان حديثا أو قرآنا ، والكشف الصحيح لأربابه عن فيض حقيقته المحمّديّة فاض ، وكلاهما إنّما كان صلّى الله عليه وسلّم فيهما واسطة ، وهما من عند الله منشأ ، فلذا قلنا لا يختلفان ، فإنّ الكشف الصحيح لا يدلّ إلاّ على ما دلّ عليه النصّ الصريح بتصريح أو تلويح أو تضمين ، فإنّ المكاشف في بعض أحواله إذا توجّه مطالعا لحكم في عين المسألة التي يريدها ، إن رآها نورا أو اكتست نورا أو أحاط بها النور دلّ على أنّها مطلوبة شرعا ، إمّا وجوبا أو ندبا ، وإن رأى المسألة ظلمة أو كستها ظلمة أو أحاطت بها ظلمة دلّ على أنّها مطلوب ترْكها شرعا أو تحريما أو كراهة ، وإن رآها في كشفه لم يقع عليها لا نورا ولا ظلمة دلّ على أنّها مباحة لا يطلب فعْلها و لا ترْكها لذاتها . وقد ينقل حكم المباح إلى الوجوب والتحريم لعارض في الوقت إذا كان يؤدّي ارتكابه إلى محرّم ، أو كان يتوقّف على تحصيل واجب أو مندوب ، وإلاّ بقي في حيّز الإباحة ، وإن أفتاك المفتون في المسألة فاستفت فيها قلبك ، ولا يكون هذا إلاّ للعارف الكامل فقط ، فإنّه صاحب الكشف الصحيح لبعد نفسه عنه ، فإنْ حِيلَ بينه وبين نفسه بأنوار القدس ، فكلّ ما يتوجّه له في أموره هو من الله تعالى ، لكن في أمور دينه لا في أمور دنياه ، فإنّ أمور دنياه هو فيها كسائر الخلق . وقد حكى الشاذليّ رضي الله عنه ، قال : كنت كثيرا أبحث عن كلام القوم حتّى قال له الحقّ في بعض وقائعه ، ناهيا له عمّا يبحث عنه من كلام القوم ، قال له : تعريفي لك يغنيك على علم الأوّلين والآخرين ما عدا علم النبيّين والمرسلين . إنتهى . فإنّه هو الأصل المرجوع إليه لا واسطة بين الله وبين العباد إلاّ النبوة ، ومن رام الخروج عنها ، أعني النبوّة ، طالبا للأخذ عن الله من غيرها ، كفر وخسر الدنيا والآخرة . وما ذُكِرَ من أنّ العقل يأخذ العلم عن الله بلا واسطة فإنّه مِنْ نَفْيِ الواسطة المشهودة ، لا يشهد واسطة بينه وبين الحقّ أصلا ، لكنها موجودة في نفسها غير مشهودة له ، وهي الحقيقة المحمّديّة ، فإنّه لا مطمع لأحد في درك حقيقتها فضلا عن مشاهدتها ، فإنّها أخفى من السرّ الخفيّ ، فإنّه يرى نفسه يأخذ العلم عن الله بلا واسطة ، وما برز له ذلك العلم إلاّ من الحقيقة المحمّديّة من حيث لا يراها وإن رآه من الحقّ ، فإنّه مغطّى عليه بحجاب التلبيس ، فهذا معنى أخْذ العلم عن الله بلا واسطة . وأمّا أن يتوهّم أنّ العقل ، أو غيره ، يأخذ العلم عن الله تعالى من غير واسطة الحقيقة المحمّديّة مجرّدا عنها فهذا لا سبيل إليه ، وهذا الوهم أمر باطل ، وإنّما نفي الواسطة في حقّه نفيا شهوديّا لا نفيا وجوديّا ، فإنّه في وقتالأخذ عن الله ينمحق الأخذ محقا كلّيّا ، فلا يبقى له شعور بنفسه فضلا عن غيره من الوجود ، فيسمع ما يسمع في تلك الحضرة من الإلقاءات وما ثَمَّ إلاّ الحقّ المتكلّم والآخذ لا غير . وقد قلنا في بعض الأجوبة أنّه يتدلّى للعارف سرّ من أسرار الحضرة القدسيّة يأخذه عن نفسه ويغطّي عنه وجوده مع جميع الوجود ، ويريه ذاته عينيّة الحقّ ، فيكون ناطقا لا بلسانه ، سامعا ورائيا لا ببنيته ، مدركا لا بجنانه ، بل هو بالحقّ للحقّ في الحقّ عن الحقّ ، إدراكا وإحساسا ، وشهودا وتلقيّا ، ولا قدرة للعبد إذا صادمه هذا السرّ عن الخروج عن دائرة حيطته ، فإنّ هذا السر إذا ورد على العبد قاهر بقوّة سلطانه ، غالب بسطوة جلاله ، لا قدرة لأحد أن يخرج عنه إلاّ إذا سرى منه ، والواسطة للحقيقة المحمّديّة في هذا موجودة غير مشهودة ولا معقولة ولا محسوسة .
انتهى " اهـ