كيمياء اليقين في مشوق المتقين لسند العارفين وقطب المحققين سيدي احمد بن ادريس رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ،الحمد لله الذي جعل قلوب اوليائه محلا لليقين واعطاهم بذلك اليقين جنة معجله يتنعمون فيها بالراحة الكبرى في الدنيا قبل الاخرى حيث كانوا على ربهم متوكلين قد برئوا اليه من التدبير معه حالة وجودهم كحالتهم اذ كانوا معدومين فلما اكتفوا به كفاهم جميع المؤنة فلا تجد ملبوسهم ومأكولهم ومركوبهم ونحوها الا احسن ملبوس ومأكول ومشروب كأنهم ملوك وما هم الا ملوك اليقين ، والصلاة والسلام على مولانا محمد سيد المتوكلين واله الذين لم يتهموا الحق في رزق ولا غيره بل رضي عنهم ورضوا عنه فلا تجدهم الا به فرحين مساعفين لأقداره وفى طى احكامه مندمجين *أما بعد فيا أيها العبد كن واثقا بربك في رزقك واجعله كنزك (كما قال رسول الله r)وآله(كنز المؤمن ربه ) ولتكن بوعده الصادق الذي قد وعدك به من الموقنين فان الاهتمام بالرزق تكذيب لله عز وجل وانت لا تحب من يتهمك في وعدك ويكذبك مع انك يمكن ذلك منك ويحتمل في حقك مثلا (ان تخلف الموعود باختيارك وبغير اختيارك فإنك قد يعرض لك من الاسباب ما يحول بينك وبين الوفاء بما وعدت ومع هذا كله لا تحب ان ينسب اليك الخلف فكيف بمن هو على كل شيء قدير وهو اصدق القائلين (ومن اصدق من الله حديثا ) والاحاديث والايات في الرزق والأسباب التى ترسخ في القلب اليقين أكثر من ان يعدها عاد ،وانما اظلمت القلوب بكثرة الهلع فعمى أنسان عين بصيرتها عن ادراك ذلك ،ولايزول ذلك الا اذا طلعت عليها شمس يقين من صحبه عارف متمكن فيه كما قال الرسول r)وآله(تعلموا اليقين بمجالسة اهل اليقين ) ،فجعلت هذه الوريقات لتكون محسنه لمن صحبها والتمس ادبها بهدي الطمأنينة بالله ،واذا انفتح الباب سهل الدخول لمن هدى الله (أولئك هم أولوا ألالباب ) فافهموا اخواني وفقني الله واياكم عن ربكم ما يقول واعقلوه بزكى العقول قال الله عز وجل (وما من دابة فى الأرض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين )فعبر بعلى التى في لغة العرب للوجوب والثبوت ولم يعبر باللام التى هي للتخيير حتى يحتمل انه سبحانه له ان يرزقها وله ان لا يرزقها بل قال عليه يعنى حقا كقوله (وكان حقا علينا نصر المؤمنين)والحق لا يضيع حقا عليه والمستقر من الرزق ما يأتيها في مستقرها ومكانها الذي هي مستقرة فيه فينساق اليها . والمستودع أيضا ما استودعه الحق فى الأرض من كل ما نبت كما قال تعالى (وقدر فيها أقوتها في أربعه أيام سواء للسائلين )أقواتها الخ . واذا يريد اخراجه منها ينزل عليها الماء بمطر أو غيره فيأمرها فتخرجه ،ومن رحمة الله سبحانه بنا ان جعل الرزق عنده فلو أعطي كل واحد منا جميع رزقه من حين يولد الي يوم يموت من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ومركب ونحوها لعنّاه غاية العناء وأتعبه غاية التعب من وجوه شتى فانه اذا أراد أن يتحول الي مكان آخر يحتاج الي ما يحمل عليه ذلك كله ،وأني له بذلك خصوصا من البلاد البعيدة كالمغرب الي مكة مثلا ، وأيضا ينغص عليه عيشه غاية التنغيص فانه يعرف يقينا أنه عند انتهاء ذلك ينتهي اجله فلا يزال حزينا ويكسبه ذلك البخل لأنه يرى أنه ينفق من عمره فتغييب الحق أرزاقنا عنا لنا فيه النفع الدنيوي والديني اذا كنا نفهم عنه سبحانه وتعالي وقوله (كل في كتاب مبين ) الكتاب في اللغه الثبوت والوجوب . قال الله عز وجل (ورحمتي وسعت كل شيء) (فسأكتبها للذين يتقون ) يعني سأوجبها . والا فهي وسعت كل شيء فما فائدة ذكر سأكتبها ، وقوله.مبين هو الذي يبين عما فيه حتى يفهم عنه ،ولا شك أنه أبان عما فيه غاية الابانة، فكم أوقفنا الحق علي ذلك من أنفسنا وأراناها في غيرنا ،فان الواحد منا يجتهد غاية الجهد في الجمع والادخار ويعطيه الحق لغيرة،واخرلا يتسبب في شئ ويعطيه رزقا هنيئا مريئا على فراشه فهو يقول للعبد بذلك الفعل ، جميع ما في يدك،وان شئت اطعمت ما في يدك للغير،وان شئت اطعمتك مما في يد الغير ، فمالك شئ ان فهمت فأرح نفسك والا اتعبها ولم تحصل على طائل (قل ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله سميع عليم )وفي الحديث القدسي ( يا عبدي تريد واريد فان سلمت لي فيما اريد اعطيك ما تريد ، وان نازعتني فيما اريد اتعبتك بعد ذلك ولا يكون الا ما اريد) وقال عز وجل في كتابه العزيز(من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء) فإرادة مثل هذا لا تنفعه بل تضره ،ولا يجعل له شئ يعجل له ، فبان ان بعض العباد يجعل شئ من مراده ما علم الحق انه يعجله ، وبعضهم لا يريد الحق له تعجيل شئ من مراده فلا يعجل له منه شيء لأنه قال : لمن نريد في الحديث(لو ركب الانسان الريح وهرب من رزقه لركب الرزق البرق وأدركه حتى يدخل في فمه) وقال عز وجل فيما حكى في وصية لقمان لابنه " (يا بني ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السموات او في الأرض يأت بها الله ان الله لطيف خبير" )أ ى اليك يعني مثقال حبة من خردل من رزقك يوصلها الله اليك أينما كنت وحيثما كانت والا فما ثمرة الإتيان بها (وكفى بنا حاسبين)،(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) فلا مكان يواريه من الحق حتى يغيب فيه شيئا من عمله (ووجدوا ما عملوا حاضرا)ثم قال بعدها(يابنى أقم الصلوة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الأمور )يعنى ليكن همك ما خلقك ربك من أجله وأمرك به لا ما ضمنه لك من الرزق كما قال في الآية الأخرى (وأمر أهلك بالصلوة واصطبر عليها لا نسئلك رزقا) يعني لا نكلفك رزقك نحن نرزقك ()والعاقبة للتقوى ) فلما أمر سبحانه بالصلاة والاصطبار عليها ورد سؤال حالي كأنه قيل يارب اذا اشتغلنا بهذا ونحن محتاجون الي ما تقوم به ذواتنا من الرزق ضعنا ، فقال سبحانه (لانسئلك رزقا) ومن سوء أدبنا أن عبر عنا بالدواب التى خلقت من أجلنا فقال عز وجل ( وكأين من دآبة لا تحمل رزقا الله يرزقها واياكم وهو السميع العليم )وقدمها في الرزق علينا لحسن توكلها علي ربها فهو يقول : يا أيها الزاعمون أنكم مؤمنون بي ومصدقون بوعدي هذه دواب خلقت من أجلكم ومسخرة لكم المستأنس منها والوحشي منها متوكلة علي ربها لم تشتغل بتدبير رزقها بل تأخذ مماأعطها ليسد جوعتها ولا تدخر منه لغيرها فأي طائر أودابة في الأرض في عنقها جراب تخزن فيه رزقها ، وها أنتم ترون الكلاب اذا وجدت رزقها من فريسة ميتة أ و غيرها تأكل فاذا شبعت تركتها وذهبت وهكذا النسور وكذلك الطيور اذا وجدت حبا أكلت منه قدر شبعها وتركته ، أنتم اذا وجد الواحد منكم شيئا ملقي بالأرض أخذه وجعل ينبش في الأرض ويبحث حتى يستأصل مادته فكم هذا السوء فيكم أفلا ترجعون الي ربكم تكتفون بحسن تدبيره ولا تنازعونه وتخاصمونه وتؤذونه ورسوله بالشكوك في وعدالرزق وغيره ،واذا رضيتم عنه رضي عنكم وأرضاكم ، وفي الحديث(من كانت الآخرة همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا راغمة ،ومن جعل الدنيا همه شتت الله شمله وجعل فقره بين عينيه ولا يأتيه منها الا ما كتب الله له)والآخرة والجنة حيثما ذكرت فالمراد منهما عند أهل الله مجاورة الله ورؤيته . وفي الحديث أيضا(من جعل الهموم هماوحدا كفاه الله أمر دينه ودنياه، ومن تشعبت به الهموم لم يبال الله به في أي واد هلك)وفيه أيضا (من أصبح وهمه غيرالله فليس من الله)أكبر من ذلك قول الله عز وجل ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) (فورب السماء والأرض انه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) والمراد بالسماء ما علا الي ما لانهاية له،والمراد بالأرض ما سفل الي ما لانهاية له فيشمل السحاب فانه مسخربين السماءوالأرض والمطر اذ ينزل منه لامن السماء التى هي محل القمر والنجوم وقوله(وما توعدون ) يعني من أمر الرزق وغيره وفي الحديث(ضجت الملائكة الي ربها فقالت : ويح بني آدم أغضبوا ربهم بكثرة الهلع حتى أقسم لهم علي الرزق)وليتنا بعد القسم اطمئننا وسكنا وقوله ( مثل ما أانكم تنطقون )وهل يشك أحد في نفسه هل هو ناطق أم لا فكذلك الرزق لا ينفك عن الانسان كما لا ينفك عنه الناطقية التى هي حقيقه من حقائق ذاته وقريء : وفي السماء رزقكم وقرىء رازقكم : بصيغة اسم الفاعل ، والمعني ان الحق في سماء العلو الذاتي فانه ظهر في صورة النار لموسي عليه السلام في الأرض لا في السماء فالعلو بحسب المقام و المكانة لا بحسب المكان فأينما ظهر فهو في سماء علوه بمعني العلى اذ كان ولا شيء معه لا سماء ولا غيرها ،ففي الحديث (كان ربك في عماء ليس فوقه هواء وليس تحته هواء )لأن الفوق والتحت من جمله خلقه فالحق خلق الجهات فهي المفتقرة اليه ولا يفتقر هو الي شيء ، فالجهة والزمان انما يميزان العبد ويتميزان به لا غير(كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما كان عليه )وحاصل معني هذه القراءة هو معني(وهو الله في السموات وفي الأرض)أي ما ثم غيره فانه (هو الأول والأخر والظاهر والباطن) (فأينما تولوا فثم وجه الله ان الله واسع عليم )ومن كان سيده عاليا كبيرا كيف يهتم برزقه فان من كان مالكا جهة من الأرض لا يهتم عبده برزق نفسه ولو كان الناس يموتون جوعا مع أنه قد يصبح سيده فقيرا أو ميتا فكم ملك أصبح معزولا .وغني أصبح عائلا . فكيف يهتم برزقه من كان سيده له ملكوت كل شيء وبيده خزائن السموات والأرض ان لم يكن هو قطع نسبته منه وأدعي أنه مالك نفسه ثم عبدها لأخس عبيده الذين خلقوا من أجله ، وهي الدنيا(تعس عبد الدنيا تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخيمة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس واذا شيك فلا انتقش)فسماهم عبيدا لهذه ولم يعلم أن أحدا منهم يسجد لها ويقول لشيء منها يا الهي ، أو ياربى أو يا سيدي فعين شغله به ونسيانه ربه هو عين اتخاذه ربا من دون الله مع أنه يعلم يقينا أنه ليس له من ذلك الا ما يسد به جوعته أو يواري به عورته أو يزيل بركوبة أعياءه أو مسكن يقيه من الحر والبرد ،وهو يطمئن نفسه به ويلذذها، وتلذذه بالوهم واطمئنان قلبه به اطمئنان بالعدم وهو يجر لنفسه بذلك التلذذ والاطمئنان البلاء المبيين قال الله عز وجل(ان الذين لايرجون لقاءنا ورضوا بالحيوة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن أيآتنا غافلون ) (أولئك مأوهم الناربما كانوا يكسبون ) وقال في الذين اطمأنوا بربهم(الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (الذين امنوا وعملوا الصالحات طوبي لهم وحسن مئاب ) فانظر الى اين مال هذا والى اين مال هذا فمن اعتمد على شئ في الدنيا سواء كان في يده او ليس فيها معتمد على بيت العنكبوت كما قال الله عزوجل " (مثل الذين اتخذوا من دون الله اولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً )فكل من اعتمد على غير الله اعتمد على بيت العنكبوت وبيت العنكبوت لا يقي من حر ولا برد واذا جاءته ادنى ريح اخذته ولم تبق له اثراً ، وقال رسول اللهr(وآله) (وآلهى من ابل عند فساد الزمان ابلاً واتخذاً كنزاً او عقاراً مخافة الدوائرلقى الله سارقاغالا) ولما مرض r(وآله) مرضه الذي خرج فيه من الدنيا كان عنده سبعة دنانير وضعها عند بعض اهله فكان كلما افاق من سكراته قال(ائتوني بالدنانير) فيغمى عليه قبل ان يؤتوه بها فلما اتوه بها مسكها في يده اليسرى r(وآله) وصار يحركها بسبابته اليمنى ويقول(ما ظن محمد بربه لو لقيه وعنده هذه)يعني معتمدا عليها او تاركها لأهله يعتمدون عليها فأمر بها فتصدق بها وترك اهله على الله لم يطمئن عليهم الا بالله ،
ولم يكلهم الى شئ يتركه لهم،والحال ان درعه مرهون عند يهودي في عشرين صاعاً من الشعير ففعل هذا وتوكل في قضاء دينه على الله تعالى ، واخر الامر من رسول الله r(وآله)هو السنة التى ابقاها في امته ، فالفطن الحاذق من اتبع رسول الله r(وآله)في هذا وامثاله ، واما متابعته في الركوع والسجود وحدها فهذا يقدر عليه كل احد وليس فيه كبير فضل ، انما متابعته في اخلاقه الكاملة التى اثنى الله عليه بها بقوله(وانك لعلى خلق عظيم")فمنها كونه رحمة للعالمين كلهم من الجن والانس والدواب وغير ذلك فضلا عن المؤمنين الذين وصفه الله بالرأفة والرحمة عليهم فقال(بالمؤمنين رءوفُُ ُ رحيمُ ) فكان لا يواجه احدا بما يكرهه ومنها كونه عفوا كما امره الله بقوله (فاعف عنهم واستغفرلهم ) يعني اعف عنهم في حقك فإنهم لم يقوموا به واستغفر لهم في حقنا فإنهم لا يقدرون حق قدرنا أي تب عنهم فمن يريد أتباعه r(وآله)في ذلك يتوب عن جميع المؤمنين بالنيابة عنهم ، ومنها كونه ذاكرا للله علي كل أحيانه فلا بد أن تدخل عليه التوبة قهرا أن آباها وهذا العفو أمره كبير جدا فلذلك قال الله عز وجل (ولا تستوي الحسنه ولا السيئه ادفع بالتى هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ()وما يلقها الا الذين صبروا وما يلقها الا ذو حظ عظيم )ومعني لا تستوي الحسنه ولا السيئه أي لا يستويان في المجازاة فمن عمل معك سيئة فلا يستوي مجازاتك له بسوء مع مجازاتك له الاحسان وانما سمي الاحسان لمن أساء اليك جزاء لأنه في الحقيقة أحسن اليك لكونه ألبسك حله الاسم الصبور والعفو والحليم فلو لم يصدر منه اساءة ما نلت أنت هذه المنزلة فقول : لا السيئة لفظه لا)) الثانية توكيد لفظي فهو يقول :لا تستوي الحسنه والسيئة ، وقوله : ادفع بالتى هي أحسن يعني السيئة كقوله في الآية الأخرى ادفع بالتى هي أحسن السيئة(نحن أعلم بما يصفون )
بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ،الحمد لله الذي جعل قلوب اوليائه محلا لليقين واعطاهم بذلك اليقين جنة معجله يتنعمون فيها بالراحة الكبرى في الدنيا قبل الاخرى حيث كانوا على ربهم متوكلين قد برئوا اليه من التدبير معه حالة وجودهم كحالتهم اذ كانوا معدومين فلما اكتفوا به كفاهم جميع المؤنة فلا تجد ملبوسهم ومأكولهم ومركوبهم ونحوها الا احسن ملبوس ومأكول ومشروب كأنهم ملوك وما هم الا ملوك اليقين ، والصلاة والسلام على مولانا محمد سيد المتوكلين واله الذين لم يتهموا الحق في رزق ولا غيره بل رضي عنهم ورضوا عنه فلا تجدهم الا به فرحين مساعفين لأقداره وفى طى احكامه مندمجين *أما بعد فيا أيها العبد كن واثقا بربك في رزقك واجعله كنزك (كما قال رسول الله r)وآله(كنز المؤمن ربه ) ولتكن بوعده الصادق الذي قد وعدك به من الموقنين فان الاهتمام بالرزق تكذيب لله عز وجل وانت لا تحب من يتهمك في وعدك ويكذبك مع انك يمكن ذلك منك ويحتمل في حقك مثلا (ان تخلف الموعود باختيارك وبغير اختيارك فإنك قد يعرض لك من الاسباب ما يحول بينك وبين الوفاء بما وعدت ومع هذا كله لا تحب ان ينسب اليك الخلف فكيف بمن هو على كل شيء قدير وهو اصدق القائلين (ومن اصدق من الله حديثا ) والاحاديث والايات في الرزق والأسباب التى ترسخ في القلب اليقين أكثر من ان يعدها عاد ،وانما اظلمت القلوب بكثرة الهلع فعمى أنسان عين بصيرتها عن ادراك ذلك ،ولايزول ذلك الا اذا طلعت عليها شمس يقين من صحبه عارف متمكن فيه كما قال الرسول r)وآله(تعلموا اليقين بمجالسة اهل اليقين ) ،فجعلت هذه الوريقات لتكون محسنه لمن صحبها والتمس ادبها بهدي الطمأنينة بالله ،واذا انفتح الباب سهل الدخول لمن هدى الله (أولئك هم أولوا ألالباب ) فافهموا اخواني وفقني الله واياكم عن ربكم ما يقول واعقلوه بزكى العقول قال الله عز وجل (وما من دابة فى الأرض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين )فعبر بعلى التى في لغة العرب للوجوب والثبوت ولم يعبر باللام التى هي للتخيير حتى يحتمل انه سبحانه له ان يرزقها وله ان لا يرزقها بل قال عليه يعنى حقا كقوله (وكان حقا علينا نصر المؤمنين)والحق لا يضيع حقا عليه والمستقر من الرزق ما يأتيها في مستقرها ومكانها الذي هي مستقرة فيه فينساق اليها . والمستودع أيضا ما استودعه الحق فى الأرض من كل ما نبت كما قال تعالى (وقدر فيها أقوتها في أربعه أيام سواء للسائلين )أقواتها الخ . واذا يريد اخراجه منها ينزل عليها الماء بمطر أو غيره فيأمرها فتخرجه ،ومن رحمة الله سبحانه بنا ان جعل الرزق عنده فلو أعطي كل واحد منا جميع رزقه من حين يولد الي يوم يموت من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ومركب ونحوها لعنّاه غاية العناء وأتعبه غاية التعب من وجوه شتى فانه اذا أراد أن يتحول الي مكان آخر يحتاج الي ما يحمل عليه ذلك كله ،وأني له بذلك خصوصا من البلاد البعيدة كالمغرب الي مكة مثلا ، وأيضا ينغص عليه عيشه غاية التنغيص فانه يعرف يقينا أنه عند انتهاء ذلك ينتهي اجله فلا يزال حزينا ويكسبه ذلك البخل لأنه يرى أنه ينفق من عمره فتغييب الحق أرزاقنا عنا لنا فيه النفع الدنيوي والديني اذا كنا نفهم عنه سبحانه وتعالي وقوله (كل في كتاب مبين ) الكتاب في اللغه الثبوت والوجوب . قال الله عز وجل (ورحمتي وسعت كل شيء) (فسأكتبها للذين يتقون ) يعني سأوجبها . والا فهي وسعت كل شيء فما فائدة ذكر سأكتبها ، وقوله.مبين هو الذي يبين عما فيه حتى يفهم عنه ،ولا شك أنه أبان عما فيه غاية الابانة، فكم أوقفنا الحق علي ذلك من أنفسنا وأراناها في غيرنا ،فان الواحد منا يجتهد غاية الجهد في الجمع والادخار ويعطيه الحق لغيرة،واخرلا يتسبب في شئ ويعطيه رزقا هنيئا مريئا على فراشه فهو يقول للعبد بذلك الفعل ، جميع ما في يدك،وان شئت اطعمت ما في يدك للغير،وان شئت اطعمتك مما في يد الغير ، فمالك شئ ان فهمت فأرح نفسك والا اتعبها ولم تحصل على طائل (قل ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله سميع عليم )وفي الحديث القدسي ( يا عبدي تريد واريد فان سلمت لي فيما اريد اعطيك ما تريد ، وان نازعتني فيما اريد اتعبتك بعد ذلك ولا يكون الا ما اريد) وقال عز وجل في كتابه العزيز(من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء) فإرادة مثل هذا لا تنفعه بل تضره ،ولا يجعل له شئ يعجل له ، فبان ان بعض العباد يجعل شئ من مراده ما علم الحق انه يعجله ، وبعضهم لا يريد الحق له تعجيل شئ من مراده فلا يعجل له منه شيء لأنه قال : لمن نريد في الحديث(لو ركب الانسان الريح وهرب من رزقه لركب الرزق البرق وأدركه حتى يدخل في فمه) وقال عز وجل فيما حكى في وصية لقمان لابنه " (يا بني ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السموات او في الأرض يأت بها الله ان الله لطيف خبير" )أ ى اليك يعني مثقال حبة من خردل من رزقك يوصلها الله اليك أينما كنت وحيثما كانت والا فما ثمرة الإتيان بها (وكفى بنا حاسبين)،(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) فلا مكان يواريه من الحق حتى يغيب فيه شيئا من عمله (ووجدوا ما عملوا حاضرا)ثم قال بعدها(يابنى أقم الصلوة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الأمور )يعنى ليكن همك ما خلقك ربك من أجله وأمرك به لا ما ضمنه لك من الرزق كما قال في الآية الأخرى (وأمر أهلك بالصلوة واصطبر عليها لا نسئلك رزقا) يعني لا نكلفك رزقك نحن نرزقك ()والعاقبة للتقوى ) فلما أمر سبحانه بالصلاة والاصطبار عليها ورد سؤال حالي كأنه قيل يارب اذا اشتغلنا بهذا ونحن محتاجون الي ما تقوم به ذواتنا من الرزق ضعنا ، فقال سبحانه (لانسئلك رزقا) ومن سوء أدبنا أن عبر عنا بالدواب التى خلقت من أجلنا فقال عز وجل ( وكأين من دآبة لا تحمل رزقا الله يرزقها واياكم وهو السميع العليم )وقدمها في الرزق علينا لحسن توكلها علي ربها فهو يقول : يا أيها الزاعمون أنكم مؤمنون بي ومصدقون بوعدي هذه دواب خلقت من أجلكم ومسخرة لكم المستأنس منها والوحشي منها متوكلة علي ربها لم تشتغل بتدبير رزقها بل تأخذ مماأعطها ليسد جوعتها ولا تدخر منه لغيرها فأي طائر أودابة في الأرض في عنقها جراب تخزن فيه رزقها ، وها أنتم ترون الكلاب اذا وجدت رزقها من فريسة ميتة أ و غيرها تأكل فاذا شبعت تركتها وذهبت وهكذا النسور وكذلك الطيور اذا وجدت حبا أكلت منه قدر شبعها وتركته ، أنتم اذا وجد الواحد منكم شيئا ملقي بالأرض أخذه وجعل ينبش في الأرض ويبحث حتى يستأصل مادته فكم هذا السوء فيكم أفلا ترجعون الي ربكم تكتفون بحسن تدبيره ولا تنازعونه وتخاصمونه وتؤذونه ورسوله بالشكوك في وعدالرزق وغيره ،واذا رضيتم عنه رضي عنكم وأرضاكم ، وفي الحديث(من كانت الآخرة همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا راغمة ،ومن جعل الدنيا همه شتت الله شمله وجعل فقره بين عينيه ولا يأتيه منها الا ما كتب الله له)والآخرة والجنة حيثما ذكرت فالمراد منهما عند أهل الله مجاورة الله ورؤيته . وفي الحديث أيضا(من جعل الهموم هماوحدا كفاه الله أمر دينه ودنياه، ومن تشعبت به الهموم لم يبال الله به في أي واد هلك)وفيه أيضا (من أصبح وهمه غيرالله فليس من الله)أكبر من ذلك قول الله عز وجل ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) (فورب السماء والأرض انه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) والمراد بالسماء ما علا الي ما لانهاية له،والمراد بالأرض ما سفل الي ما لانهاية له فيشمل السحاب فانه مسخربين السماءوالأرض والمطر اذ ينزل منه لامن السماء التى هي محل القمر والنجوم وقوله(وما توعدون ) يعني من أمر الرزق وغيره وفي الحديث(ضجت الملائكة الي ربها فقالت : ويح بني آدم أغضبوا ربهم بكثرة الهلع حتى أقسم لهم علي الرزق)وليتنا بعد القسم اطمئننا وسكنا وقوله ( مثل ما أانكم تنطقون )وهل يشك أحد في نفسه هل هو ناطق أم لا فكذلك الرزق لا ينفك عن الانسان كما لا ينفك عنه الناطقية التى هي حقيقه من حقائق ذاته وقريء : وفي السماء رزقكم وقرىء رازقكم : بصيغة اسم الفاعل ، والمعني ان الحق في سماء العلو الذاتي فانه ظهر في صورة النار لموسي عليه السلام في الأرض لا في السماء فالعلو بحسب المقام و المكانة لا بحسب المكان فأينما ظهر فهو في سماء علوه بمعني العلى اذ كان ولا شيء معه لا سماء ولا غيرها ،ففي الحديث (كان ربك في عماء ليس فوقه هواء وليس تحته هواء )لأن الفوق والتحت من جمله خلقه فالحق خلق الجهات فهي المفتقرة اليه ولا يفتقر هو الي شيء ، فالجهة والزمان انما يميزان العبد ويتميزان به لا غير(كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما كان عليه )وحاصل معني هذه القراءة هو معني(وهو الله في السموات وفي الأرض)أي ما ثم غيره فانه (هو الأول والأخر والظاهر والباطن) (فأينما تولوا فثم وجه الله ان الله واسع عليم )ومن كان سيده عاليا كبيرا كيف يهتم برزقه فان من كان مالكا جهة من الأرض لا يهتم عبده برزق نفسه ولو كان الناس يموتون جوعا مع أنه قد يصبح سيده فقيرا أو ميتا فكم ملك أصبح معزولا .وغني أصبح عائلا . فكيف يهتم برزقه من كان سيده له ملكوت كل شيء وبيده خزائن السموات والأرض ان لم يكن هو قطع نسبته منه وأدعي أنه مالك نفسه ثم عبدها لأخس عبيده الذين خلقوا من أجله ، وهي الدنيا(تعس عبد الدنيا تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخيمة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس واذا شيك فلا انتقش)فسماهم عبيدا لهذه ولم يعلم أن أحدا منهم يسجد لها ويقول لشيء منها يا الهي ، أو ياربى أو يا سيدي فعين شغله به ونسيانه ربه هو عين اتخاذه ربا من دون الله مع أنه يعلم يقينا أنه ليس له من ذلك الا ما يسد به جوعته أو يواري به عورته أو يزيل بركوبة أعياءه أو مسكن يقيه من الحر والبرد ،وهو يطمئن نفسه به ويلذذها، وتلذذه بالوهم واطمئنان قلبه به اطمئنان بالعدم وهو يجر لنفسه بذلك التلذذ والاطمئنان البلاء المبيين قال الله عز وجل(ان الذين لايرجون لقاءنا ورضوا بالحيوة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن أيآتنا غافلون ) (أولئك مأوهم الناربما كانوا يكسبون ) وقال في الذين اطمأنوا بربهم(الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (الذين امنوا وعملوا الصالحات طوبي لهم وحسن مئاب ) فانظر الى اين مال هذا والى اين مال هذا فمن اعتمد على شئ في الدنيا سواء كان في يده او ليس فيها معتمد على بيت العنكبوت كما قال الله عزوجل " (مثل الذين اتخذوا من دون الله اولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً )فكل من اعتمد على غير الله اعتمد على بيت العنكبوت وبيت العنكبوت لا يقي من حر ولا برد واذا جاءته ادنى ريح اخذته ولم تبق له اثراً ، وقال رسول اللهr(وآله) (وآلهى من ابل عند فساد الزمان ابلاً واتخذاً كنزاً او عقاراً مخافة الدوائرلقى الله سارقاغالا) ولما مرض r(وآله) مرضه الذي خرج فيه من الدنيا كان عنده سبعة دنانير وضعها عند بعض اهله فكان كلما افاق من سكراته قال(ائتوني بالدنانير) فيغمى عليه قبل ان يؤتوه بها فلما اتوه بها مسكها في يده اليسرى r(وآله) وصار يحركها بسبابته اليمنى ويقول(ما ظن محمد بربه لو لقيه وعنده هذه)يعني معتمدا عليها او تاركها لأهله يعتمدون عليها فأمر بها فتصدق بها وترك اهله على الله لم يطمئن عليهم الا بالله ،
ولم يكلهم الى شئ يتركه لهم،والحال ان درعه مرهون عند يهودي في عشرين صاعاً من الشعير ففعل هذا وتوكل في قضاء دينه على الله تعالى ، واخر الامر من رسول الله r(وآله)هو السنة التى ابقاها في امته ، فالفطن الحاذق من اتبع رسول الله r(وآله)في هذا وامثاله ، واما متابعته في الركوع والسجود وحدها فهذا يقدر عليه كل احد وليس فيه كبير فضل ، انما متابعته في اخلاقه الكاملة التى اثنى الله عليه بها بقوله(وانك لعلى خلق عظيم")فمنها كونه رحمة للعالمين كلهم من الجن والانس والدواب وغير ذلك فضلا عن المؤمنين الذين وصفه الله بالرأفة والرحمة عليهم فقال(بالمؤمنين رءوفُُ ُ رحيمُ ) فكان لا يواجه احدا بما يكرهه ومنها كونه عفوا كما امره الله بقوله (فاعف عنهم واستغفرلهم ) يعني اعف عنهم في حقك فإنهم لم يقوموا به واستغفر لهم في حقنا فإنهم لا يقدرون حق قدرنا أي تب عنهم فمن يريد أتباعه r(وآله)في ذلك يتوب عن جميع المؤمنين بالنيابة عنهم ، ومنها كونه ذاكرا للله علي كل أحيانه فلا بد أن تدخل عليه التوبة قهرا أن آباها وهذا العفو أمره كبير جدا فلذلك قال الله عز وجل (ولا تستوي الحسنه ولا السيئه ادفع بالتى هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ()وما يلقها الا الذين صبروا وما يلقها الا ذو حظ عظيم )ومعني لا تستوي الحسنه ولا السيئه أي لا يستويان في المجازاة فمن عمل معك سيئة فلا يستوي مجازاتك له بسوء مع مجازاتك له الاحسان وانما سمي الاحسان لمن أساء اليك جزاء لأنه في الحقيقة أحسن اليك لكونه ألبسك حله الاسم الصبور والعفو والحليم فلو لم يصدر منه اساءة ما نلت أنت هذه المنزلة فقول : لا السيئة لفظه لا)) الثانية توكيد لفظي فهو يقول :لا تستوي الحسنه والسيئة ، وقوله : ادفع بالتى هي أحسن يعني السيئة كقوله في الآية الأخرى ادفع بالتى هي أحسن السيئة(نحن أعلم بما يصفون )